في الماضي، كانت إصابة الشخص بمرض بكتيري بسيط يعرض صحته للتدهور الشديد وربما تؤدي هذه الإصابة البكتيرية الي موت الشخص. كما ان اجراء عملية جراحية بسيطة كان امرا غاية في الصعوبة لسهولة إصابة المريض بالبكتريا بعد العملية الجراحية. فضلا عن خطورة الامراض التناسلية المعدية. وفي الحروب كانت الوفيات نتيجة التهابات الجروح البسيطة أكثر من عدد قتلي أسلحة الحرب.
استمر البشر في معاناة شديدة والأوبئة تحصد ملايين بلا أي نوع من المقاومة. كان الانسان لا يجد سوي التخفي وغلق داره عليه وعلى اسرته حتى تمر موجة المرض، التي ربما تحصد عائلات واسر كاملة. و استمر هذا الوضع حتى تم اكتشاف الدواء السحري.
قصة اكتشاف البنسلين:
في 29يونيو 1928 بينما ألكسندر فلمنج العالم الأسكتلندي يجري تجاربه على أنواع معينة من البكتريا في اطباق بتري (اطباق زجاجية لها غطاء زجاجي يوضع بها وسط تتغذي وتنمو عليه البكتريا). لاحظ انحسار نمو البكتريا في أحد الاطباق، وبعد التدقيق وجد نمو فطر البنسلين في هذا الطبق، ادي ذلك الي استنتاج ان فطر البنسلين لديه القدرة على وقف نمو البكتريا. وبدأت التجارب لاستخلاص المادة التي أطلق عليها البنسلين. وبدأ ألكسندر فلمنج تجربتها بالمختبر للتأكد من تأثيرها على البكتريا وإمكانية استخدامها لعلاج الامراض البكتيرية.
واجه فلمنج مشكلة استخلاص وتنقية مادة البنسلين فبقي بحث فلمنج حبرا علي ورق حتى قرأه الباحثان البريطانيين العالمين "إرنست تشين" و"هوارد فلوريفي" عام 1930. وتم تجربة العقار على حيوانات التجارب. واثبت البنسلين فاعليته وفائدته العظيمة التي توقعها فلمنج. وفي عام 1941 تم تجربة البنسلين علي المرضي فاظهر نتائج سحرية. تسابقت شركات الادوية في بريطانيا وأمريكا على انتاج عقار البنسلين بكميات كبيرة ليستخدم في علاج جرحي الحرب العالمية الثانية 1945.
وفي البداية كانت مشكلة البنسلين هي انه يعطي عن طريق الحقن فقط وان فاعليته ساعات محدودة. ومع التجارب وإضافة بعض العناصر الي مركب البنسلين أصبح بالإمكان تناول دواء البنسلين بالفم بل ومع التعديلات وإضافة مواد اخري أصبح البنسلين ممتد المفعول.
ماذا فعل البنسلين للبشرية والطب؟
يعد اكتشاف البنسلين من اهم اكتشافات القرن العشرين ان لم يكن أهمها. فقد أنقذ علاج البنسلين الملايين من البشر من الامراض البكتيرية. أصبح علاج الامراض البكتيرية أسهل، وتواري شبح الامراض الخطيرة والقاتلة مثل الامراض الصدرية والتهاب السحايا. وغدت الامراض التناسلية المعدية علاجها بسيط جدا. كما ان اجراء العمليات الجراحية تتم بدون الهلع من الإصابة البكتيرية بعد العملية الجراحية. كما ان علاج الجروح وغيرها أصبح سهلا ومتيسرا. كما ان استخلاص البنسلين من فطر البنسلين فتح الباب امام العلماء للبحث عن مضادات حيوية اخري موجودة فتم اكتشاف العديد منها.
وتقديرا لهذا الدور تم مكافأة ألكسندر فلمنج والعالمين الاخرين "إرنست تشين" و"هوارد فلوري" بجائزة نوبل في الطب عام 1945.
ولكن... هل تصمت البكتريا على اكتشاف هذا السلاح الفعال ضدها؟
مع التوسع في الاستخدام العشوائي وسوء الاستخدام لسلاح المضاد الحيوي ضد البكتريا. أصبح سلاح البنسلين اقل فاعلية او فقد فاعليته تماما في محاربة بعض أنواع البكتريا. تعرف هذه المشكلة بمقاومة البكتريا للمضادات الحيوية. أصبحت مشكلة مقاومة البكتريا للمضادات الحيوية مشكلة عالمية وأصبحت مؤرقة ومزعجة وللكوادر الصحية ولمنظمة الصحة العالمية حيث يعاد للأذهان عصر ما قبل اكتشاف المضاد الحيوي و علي رأسهم البنسلين.
ولمحاربة مشكلة مقاومة البكتريا للمضادات الحيوية، يتوجب معرفة أسباب وكيفية حل المشكلة. ويمكن تقسيم أسباب المشكلة وحلها حسب العامل المسبب لها ودوره في وقف تدهور المشكلة:
الواصف للمضاد الحيوي (الطبيب):
- وصف عشوائي للمضاد الحيوي، او وصف مضاد حيوي غير مناسب للتشخيص.
- وصف جرعة غير كافية، وصف فترة علاج غير مناسبة للقضاء على البكتريا.
- الاستجابة لضغوط المرضي بوصف المضاد الحيوي لمن لا تستدعي حالته ذلك. مثل وصف المضاد الحيوي في دور البرد البسيط.
الصيدلي:
- الصرف العشوائي لدواء المضاد الحيوي بدون وصفة طبية، او صرف دواء المضاد الحيوي لفترة اقل من المطلوب.
- الاستجابة لضغوط المرضي بصرف المضاد الحيوي بدون وصفة طبية. او صرف نوع مضاد حيوي مختلف عن الموصوف او صرف كمية اقل من الكمية الموصوفة للمريض.
- صرف المضاد الحيوي لعلاج الامراض الفيروسية مثل نزلات البرد البسيطة.
- عدم توعية المريض عن المضادات الحيوية واضرار مشكلة مقاومة البكتريا للمضاد الحيوي.
المريض
- عدم الالتزام بتناول المضاد الحيوي بجرعته ومدة العلاج الموصوفة.
- تبادل المضاد الحيوي مع الاهل والجيران او التوصية بعلاج
- الإصرار والضغط على الكوادر الصحية من أطباء وصيادلة لوصف وصرف المضاد الحيوي.
- تناول المريض المضاد الحيوي من تلقاء نقسه او تكراره بدون وصفة طبية
- التخلص من بقايا المضادات الحيوية بإلقائها في الصرف الصحي او القمامة.
الطب البيطري:
- الاستخدام العشوائي للمضاد الحيوي في مزارع الدواجن حيث يستخدم المضاد الحيوي بجرعات بسيطة كأحد عوامل نمو الدواجن مما يتسبب في مقاومة البكتريا للمضاد الحيوي والذي يؤثر بالسلب على فاعلية او جدوى العلاج في البشر.
الحكومات:
التشريع
- بمنع تداول المضادات الحيوية الا بوصفة طبية.
- بحصر وصف أنواع من المضادات الحيوية على تخصصات او مستوي عالي من الأطباء.
الرقابة علي :
- وصف المضادات الحيوية وفي المؤسسات الصحية العامة والخاصة.
- العيادات وعلى الصيدليات الخاصة.
- مزارع الدواجن لمنع الاستخدام العشوائي
الاستثمار:
- الاستثمار المباشر في مصانع الادوية بهدف اكتشاف مضادات حيوية جديدة.
- تشجيع المستثمرين وشركات الادوية لاكتشاف مضادات حيوية جديدة عن طريق دفع نسبة من التكلفة او خفض الضرائب على هذا المنتج او تخفيض أسعار الخدمات المقدمة للشركة او التعهد بشراء نسبة كبيرة من المنتج.
التثقيف الصحي والتوعية:
- عمل حملات توعوية عن الاستخدام الأمثل للمضاد الحيوي وعن اضرار مقاومة البكتريا للمضادات الحيوية.
كلمة أخيرة:
اكتشف ألكسندر فلمنج سلاحا فعالا ثمينا في علاج وحماية البشرية، فلابد من استخدام هذا السلاح استخداما رشيدا، لأن الاستخدام العشوائي سيفقد البشرية هذا السلاح الثمين. والحفاظ عليه هو مهمة الجميع.
شارك برايك :